• أعضاء ملتقى الشعراء الذين لا يمكنهم تسجيل الدخول او لا يمكنهم تذكر كلمة المرور الخاصة بهم يمكنهم التواصل معنا من خلال خاصية اتصل بنا الموجودة في أسفل الملتقى، وتقديم ما يثبت لاستعادة كلمة المرور.

أرض الدوار ، الجزء الاول

حسان داني

New member
إنضم
22 سبتمبر 2008
المشاركات
205
مستوى التفاعل
0
النقاط
0
الإقامة
المغرب
تأليف حسان داودي

أرض الدوار

الى بصيص من العزم تهفو الهمم
لتستمد منه الأمل الذي تفتقده.
الى الأرض الفيحاء بمناظرها الخلابة
تفتقد الطيور لتصدح البلابل بأغاريدها
فتشدو العناديل بأعدب الألحان.
وينشد الصدى بصيته المعتم.
تصبو الطبيعة
لزقزقة العصافير حين مرورها
و فوق الاشجارتستعد للطيران لحظة الاصطباح .
وفي مساء تأوي الحمامة الى فراخها آمنة مطئنة.





















تقديم.
كسائر القرى المتناثرة في كل الربوع بأبنيتها القديمة ذات القلاع المرتفعة، والابنية المشيدة بالطين ، تظهر منازلها كأنها بيت كبير ، عند الاندناء اليها من بعيد ، تلوح كهضبة من الأبنية القديمة، يحيط بها سور متهدم عن آخره، الا جزئا منه في الطرف الغربي بقي رمزا لقد مها ، أخليت من سكانها الذين انتقلوا الى نفس الجهة ، بعد ان فصلت الطريق الرئيسية جديدها عن قديمها ، ما عدا بعض العائلات الكبيرة ظلت في معقل الاجداد ، حين تتأمل اطلالها المهجورة تهمس لك بحكايتها عن عهد ازدهر فولى. ورغد عيش عفا عنه الدهر ومضى . مع مرور الأيام والسنون، وبعد أن اصبحت تثير شهية اصحاب العقارات وسماسرة الأراضي ، تعود بك للحاضر، تحكي لتؤكد على لسان ابنائها عن قيمةالارض عند الانسان والعلاقة التي تجمعهما ، وما تمثله الاولى بالنسبة الى حياةالثاني، واستحالة الفصل بينهما ، لكونهما عنصرا الحياة الأساسيان .
قرية ايت وحمان توجد في منطقة صحراوية جافة وسكانها تجسيد للتركيبة السكانية بالمغرب .ظلت حتى اواخر الثمانينات مزدهرة، لكن مع منتصف التسعينات اكتسحها جفاف عم كل النواحي المجاورة، الرمال غطت كل الواحات والسماء شحت قطراتها ،عوامل جعلتها فريسة يتكالب عليها اصحاب المصالح التجارية، وانبراء السماسرة يهيئون الناس لبيع أ راضيهم باثمان زهيدة، ولدافع ازدهار القرى من جديد يتم اغرائهم باستصلاح الاراضي البورية ، ،وعود يتشدقون بها لاستمالة اهلها المعوزين بعد ان انعدمت الحيلة لديهم، وعيل الصبر في نفوسهم ، لا يطلبون الا العطف من أهل الثروات ظنا منهم ان ذلك سيصلح من حالهم ولكن هيهات ليس لهم الا الانتظار.
فبعد أن اجتاح جفاف وتصحر كل انحاء الدوار في السنوات السالف ذكرها ،لم تعد كما كانت سابقا من ازدهار الحياة بها، بالاضافة الى جبل غني بنوع من المعادن قد نفذ كنزه ، كانوا من قبل يكتفون بالعيش فيما يدره ولا يفكرون للمستقبل، نظرا لما يسبغه عليهم من خيراته،لا تشغلهم الا بطونهم والتفاخر فيما بينهم بالبذخ، لا يعتبرون من الدهر الذي لا تؤمن غرائره وتقلب نوائبه، فدارت عليهم الدائرة حتى اصبحوا يهاجرون بلدتهم بعد ان كان الناس يفدون اليها ، لأن دوام الحال من المحال
وفي نهاية التسعينات اصبحت الحالة مزرية ،طغى قحل عم كل الربوع ، وبعد انحباس الأمطار لم تعد الخماسة تريع ما يسد متطلبات الحياة.فأدت الى تدهور الحالة المعيشية وتدني قيمة الأرض عند أهلها ، ولذلك سنتقصى الأحداث لنحتدي بعشق امرأة لأرضها وما تكنه لدوارها من حب ، مثال ونموذج أحرى لتأكيد أهمية الأرض عند صاحبها.
أمرأة رغم عوزها، نأت بنفسها عن كل المغريات التي تعرض عليها للتنازل عن قطعة ارضية ورثتها من زوجها المتوفي، تريد الحفاظ عليها حتى يتمكن ابنها من تثبيت حق امتلاكها، لكنه سيسافرمرغما ليبحث عن مستقبله،ويتركها وحيدة ثابتة تصارع جارها الذي لا يدخر جهدا لاقناعها بعدم جدوى الأرض التي لا تدر على صاحبها ما ينتفع به،تقاوم وتدافع، كنخلة ثابتة او شجرة الأركان الصامدة، رغم قساوة المناخ ظلتا شا مختين لم تنل منهما السنين الطويلة ، ثابتتين كشهود على مر العصور،
تلك هي مي هنية ،الأرملة القوية، بقيت رزينة تكد وتكدح، رغم شظف العيش الذي لا يحتمل،
لم تنكسرولم ترضخ للظروف، وبعزة وعنفوان ظلت متمسكة ومتما سكة بمبد ئها ،
حب الارض وبلد تها التي تعتبرهما حياتها التي لا ينبغي التنازل عنها،مثا ل ونموذج أحرى لتاكيد عشق الارض واعطائها حق قدرهاا.
امراة مستميتة ، طيبة النفس، لا تتوانى عن قول الحقيقة، لا تحب الكذب، كادحة لا تستكين للظروف رصينة متفانية ، حتى انك لتحسبها ذكرا لصلابة مواقفها ، لكن بالرغم من طباعها الذكورية فانها تتميز بعاطفة أنثوية رقيقة ، تحب فعل الخير وتساعد اليه ، .عمرها في اواسط الاربعين ، اما ابنها علي فشاب بأول العشرين من عمره، ذكي شيء ما وطيب أبي النفس مثل أمه .
يوجد منزلهما غرب القرية، يجاورها ناحية اليمين مسكن سمسار بالصدفة اسمه بوبكر، في منتصف الثلاثين من عمره يمتهن الخرازة ، باب بيتها يقابل بيته التي تاتي من جهة الجنوب ،تجمعهما زاوية جدار مشترك على شكل مثلت مع مسافة عشرة امتار بين بابين في طرفي خط الزاوية المستقيم. ،منزله هو الذي يفصل منزلها عن بيت الحاج ابراهيم الكبير والاجمل بالقرية ، اما بقية الدور فتقع بالشمال ولا تبعد الا بثلاثين مترا عن الدور الثلات، والمنظقة عبارة عن ارض صحراوية ذات تربة جافة وتلال صخرية.
وقد التقى بوبكر بأحد التجار الكبار اتى من الدار البيضاء،ليبحث عن أحد ما ويعرض عليه مقابلا للتأثيرعلى اهل البلدة الميسوري الحال واقناعهم ببيع الأراضي ، عندما علمت المرأة بما يخطط ،بعد أن سمعت انه يتهيأ كي يتوسط للتاجر عند اهل البلدة ليشتري ما لديهم من اراضي، اشتدغضبها على جارها الضعيف الشخصية كما تصفه ، فساد بينهما ما يشبه الندية .
أما الحاج ابراهيم فتاجر الحلي كثير الأسفار، أب لفتاة اسمها عائشة اعتنت بها مي هنية منذ الصغر واصبحت لا تفارقها الا نادرا حتى انها تقضي عندها اليوم بكامله تؤنسها في وحد تها
وتملأ الفراغ الذي تركه ابنها الغائب اما ام الفتاة التي اسمها نايتة فلد يها مساعدة تدعى
صفية .
لم تحتكر المرأة كل اهتمام الفتاة لتنسى امها، بل تزورها يوميا تسأل عن طلباتها أو عندما تأتي بالغداء لها ولمي هنية في بعض ايام الاسبوع ،
واستأ ثار الأرملة بعنايتها ناتج عن الولع و الحب الذي تكنهما لشخصها ، ثم رضوخا لمشيئة والديها اللذين يعتبران المرأة من العائلة ، وقد آثرت أن تبقى ببيتها على عرضهم للانتقال للعيش معهم ريثما يعود ابنها ، سنرى كيف ستتمكن المراة من توحيد أهل الدوار ، هل ستلقى منهم الرفض ؟ أم ستنجح في لم الصف وتوحيد الكلمة.




الزايل
آلت الامور في قرية ايت اوكبارالمجاورة لايت وحمان، أن با عوا كل اراضيهم، لم يبق لهم الا الدور التي يسكنون فيها، أصبحوا يتوسلون الاحسان من كل من هب ودب ،انساقوا وراء وعود باصلا ح حال القرية أملا في أن تتيسر لهم سبل الحياة ، فتخلوا عن فدادينهم مقابل اثمان زهيدة الا القليل القلة منها.
كادت قرية ايت وحمان ان تسير على نفس المنوال لولا تدارك اهلها للموقف بعد أن استشعروابالخطر من خلال تمسك مي هنية برأيها و الهامهم حب الارض وعدم التفريط فيها.
توفي با سعيد الذي كان خماسا، عند ابراهيم احد اعيان البلدة ، رحل عن زوجته وابن خلفه في الخماسة بعد ان غصب على ترك دراسته في المستوى الاعدادي، لم يتمكن حتى من اتمامه نظرا للظروف التي استجد ت بوفاة ابيه، بيد أن الحاج ابراهيم عرض عليه ان يتكفل له بمصاريف الدراسة،لكنه رفض لاحساس بانه سيكون عالة عليه، والاكتفاء بما يغدقه من بعض مصاريف معيشته مع أمه، وارضاء لعنفوانيته صمم ان يسير على نمط ابيه، يهتم بأمه ويكسب قوتهما من عرق جبينه، ليشعر باهميته وكذلك اشباعا لأ نوفة نفسه الابية ، والرافضة لأي احساس بالتوسل والضعف بالاعتماد على الآخر. خلف اباه في الخماسة لكن رزأ الحال وقلة مردور الانتاج زاده مقتا للوضع،فلولا الحاج الذي يجود عليهما بكرمه لكانا يتضوران جوعا ، لم يعد يطيق صبرا، بعدما تعذر عليه التحمل وبعد أن اصبح يشتغل في البناء كأقرانه ، ازداد ازدراء لحالته المعيشية، ولقد ألحت عليه أمه وحثته على التحمل والصبر فلم ينثني، بل عزم على الرحيل ،لأن احد اصدقائه وعده بالبحث عن عمل له بمدينة الدار البيضاء..
قبل راس امه يودعها ،ذهب ليبحث له عن عمل في المدينة بعدما استعصى عليه المكوث في مسقط راسه. أزمع على الرحيل عنها الى حين، ليثبت وجوده واستقلاليته، ومعنى الكرامة الشخصية ليشتغل كسائر اقرانه الذين تركوا البلدة بحثا عن لقمة العيش لاعالة اهاليهم الميسوري الحال، عادة عرفية دأب عليها ابناء كل القرى بالبلد، ترك امه وهي تقاوم د موع الاحباط لفراقه كي لا تنساب من ينبابيع عينيها، تخشى ان يرى ضعفها، وتفسد عليه فرح السفر ، كما اعتاد كل من لم ير المدينة من قبل ، وبالاخص في تلك القرية الصغيرة، فبرغم احساسه بغصة الفراق مع امه، الا أن الفضول الذي اعتراه والمشوب بالشغف لرؤية المدينة انساه ألمه، كانت حلمه من خلال الحكايات عنها بالبلدة ايام عيد الاضحى، يسيل لها لعاب من لم يزرها من قبل، متخيلة كالجنة في عقول شبابها بما يسمعونه من الآخرين، ظلت الامنية التي يسعى اليها كل وا حد ، وقد تحققت امنيته من دون بعضهم ، ترك الخماسة التي لم تعد تنفع في شئ، سيترك اخيرا قريته التي لطالما احتقره اهلها بسخريتهم المبيتة، التي لا يظهرونها الا في عيونهم الشامتة، وان لم يعلنها احد ما في وجهه، الحمد لله سيتمكن اخيرا من تجنب الهمسات واللمزات من بعض الماقتين ويذهب بعيدا ليعود شخصا آخر ويثبت وجوده في القرية.


أجهشت بالبكاء لما توارى عن نظرها واطلقت العنان لمقلتيها تثجان ما يسقي تقاسيم وجهها المجفو بالكمد الجاثم على الصدر، والغم الذي ولده فراقه، طوقتها عائشة بذراعيها تهدهد على كتفها لتخفف عنها،تبثها الصبر والعزيمة والدعوة لابنها بالتوفيق في سفره ،بدورها وجدت المراة في تلك الكلمات المواساة لترتقأ دموعها والبلسم المهدئ لانفتاء التياعها،اذ أبت عيونها أن تجودا بالمزيد لتفرغ السجية المغمومة من كلو م وجمها، هدأت النفس المضامة وتقبلت الواقع المر على قلبها والذي لم تألفه من قبل
اورك الى كرسي الناقلة المتجهة الى الدار البيضاء، تتقد في دواخله الحما سة والفضول ، تحقق له المبتغى ، في طريقه الى المدينة التي لطالما حلم بها ، سيكتشف الاشياء التي سمع عنها من الذين يأتون باخبارها ويرى بنفسه، سيشتغل مثل انداده ،انتقل اليها ليبحث عن لقمة العيش كبقية ابناء القرى في الوطن، بعدما استحال عليه الركون بالقرية وانتظار السراب ، تاه بشروده فيما الناقلة تطوي الارض وتجتاز المسافات تلوالأخرى بين المدن، احس ببعض اللوعة من فراق أمه لكن مقته للقرية والحالة التي كان عليها نأت بحزنه جانبا، فالأحرى له ان يفكر ويتخيل عمله بالمدينة ، وكيف يمكنه ان يتعامل مع اهلها المتحضرين؟ ذوي الاخلاق النيرة والمتصورة في نظرته اليهم،
يحسب انهم اناس محترمون، متفهمون وأكثر وعيا من اهل القرية الذين لا يحبذون الا الاغتباء والنميمة، لا عمل لهم سوى التربص لاصطياد خبر ما لتلوكه الألسنة، ويكون وليمة يقتسمونها بينهم واستطعامها بالاستهزاء والتمتع بنكهة مضمونها، يحلل بآراءهم ويكتسب درجة من الاشاعة بينهم كما هي العادة العرفية في كل الامصار والقفار.
لم يتودد النوم الى جفونه على طول مدة سيران الناقلة ، فالفضول اذهب عنه الغفا ولو للحظة، ظل ينظر في الزجاج وكل مدينة ادلفت اليها الناقلة، يسأل عن اسمها بعفوية وبدون تردد، كالضمآن الذي لم يكتفي من رشفات الماء ليروي عطشه، او كالساغب النهم الذي لم يكتفي بعد من اشباع بطنه .تلوح امام عينيه المساحات الخضراء والاشجار الفارعة على جانبي الطريق ، والانبهار يلفه بسحر الطبيعة التي لم يراها في منطقته الصحراوية .
وصلت الناقلة الى آخر المسار واعلن عن ذلك من طرف ( الكريسون) أي مساعد السائق، فأ خذ الركاب ينسلون منها نزولا، أما علي فقد أثارته المباني الجديدة التي لم يراها من قبل، عندما وطأت قدمه أرضية المحطة، وقف قليلا يبحث بنظره عن مخرج ما ،عدة ابواب فمن سيختار منها اقتفى الأثر الى باب يقصده جل الركاب يتتبع خطاهم حتى وجد نفسه وراء سورها ،أخرج الورقة التي كان صاحبه حماد قد دون فيها عنوانه بالمدينة المترامية الجهات.






احس بنظرات العيون المترصدة متجهة اليه. سرت قشعريرة وجل في أوصاله. أخذ ينشد ببحث ملاذا يحميه من تلك التحديقات المتلصصة حتى استكان الى جدار المحطة،
يدير له ظهره لاحتماء به، وامكانية رؤية كل ما حوله ،بينما كان ينظر الى عنوان صديقه المدون بالورقة قطع عليه احد سائقي الطاكسي لحظته ، يعرض عليه أن يقله بعد أن سأله عن وجهته ،
- هذا هو العنوان اخويا. ...... قال للسائق السيارة.
ولوجه المتسرع ا لى السيارة كان كمفرا له من تلك العيون البصاصة، التي كادت تلتهمه وخاصة انه حديث العهد بالمدينة، لم يتعود ان ترمقه النظرات بتلك الحدة المتفحصة، اضافة الى الأيادي الممدودة تطلب منه الاحسان.
وأخذت السيارة تعد المسافة بسرعتها في اتجاه العنوان الذي حفظه السائق عن ظهر قلب، وبدأت تنتقل من شارع لآخر، ومن حي الى مثله، والفتى ينظر في زجاجها ،مشدوها بما يراه من عمارات شاهقة وحدائق خضراء متناسقة لم ير مثلها من قبل، اما الدكاكين التجارية فهي لا تعد ولا تحصى، عكس القرية التي لا توجد فيهاالا اثنتان فقط . انها الجنة بعينها، لقد صدق الذين حكوا عنها، هنا لا توجد رمال ولا اوساخ لكن بالرغم من التلوث الذي يلف أجوائها فانها جديرة بان تكون حلم استقرار لاي كان . اعاده تيهانه الى ما صادفه خارج المحطة واستوقفه تساؤله، لما ذا تكفكف تلك النساء وبعض الشباب؟ اليس في المدينة عمل؟ لماذا يتوسله الاطفال ليعطف عليهم بدرهم او اقل منه؟ لماذا يستنشق بعضهم مادة ( السيليسيون)،
تذكر عادة العربي،لا شك انه الوحيد في القرية الذي يشبه اولاد المدينة وربما يتشارك معهم في المعاناة ، ولا احد يعيلهم، لكن الاخيرعلى العكس اكبرهم سنا ، له اهل القرية يعطفون عليه، وبالاخص امي هنية التي لم تتركه يحتاج لرحمة العطف الذي ينشده.
اعتراه نوع من الضياع بعد أن كان الامل يحدوه بأن يعمل ويكون مستقبله كابناء قريته.لا شك انه سينتظر حولا كاملا حتى يشتغل هؤلاء ثم يأتي دوره.
رمقه السائق بنظرة فا حصة اختلسها
- - واقيلا اول مرة جيتي للمدينة.
- ييه يا سيدي
سكت الاول قليلا كأنه يفكر في اختيار السؤال والآخر ينظر اليه مرة، ومرة الى الزجاج ،يستفسره بعيني المفزوع الحائر، ولازاحة صمت الفتى اردف :
- هادشي ما كاين في البلاد.
- : ييه يا سيدي هاد شي عجب كل شئ كاين في المدينة حتى المساكن كاينين فيها.
- : راه المغرب مجموع في هاد المدينة والمساكن لي شفتيهم كاين لي ما عندوا والديه.
استغرب الامر وتسا ئل ، أليس هم من البشر؟ اليس هم نتيجة العلاقة بين الام والأب؟ هذا جديد عليه لم يعرفه من قبل .



أخبره عن النسوة اللواتي يتوسلن المارة بواسطة الأطفال ، هن محترفات في المهنة اما الأطفال فهم ليسوا بأولادهن وانما اولاد بغاء يتم استغلالهم للا ستأثار بعطف الناس،
تلك عادتهن في كل مناطق المدينة وشوارعها، اسهب الفتى في تسا ؤله ليكتشف ما لم يخطرعلى البال،
أما الشبان الذين يحتسنون، ما هم الا لصوص يتحينون الفرص لاصطياد الضحايا وسرقتهم.
كل ما سمعه أثارحفيطته وخوفه من بوآن امله في ايجاد عمل بالفشل، طرأت في رأسه فكرة العودة بيد ان السائق طمأنه بأن الارزاق بيد الله،ولا يجب ان يقنط من رحمته، لأنه بالصبر والعزيمة سيأتيه الفرج، ليكون مثل اقرانه ( ولد البلاد) كما يطلقه اهل المدينة على كل وافد جديد.
ابدى اعجابه بالمدينة وتمنى ان يتيسر له الحال ويأتي بأمه رغم الخوف الذي يلفه من اللصوص الموجودون في كل انحائها، حسب ما اخبره السائق الذي نبه اخيرا
: ها حنا وصلنا اخويا.
لم يسمعه فقد سرحت به عيناه مرة اخرى .ولم يعي بوصوله الى المكان الذي يقصده، الا بعد برهة عندما بغت.واستدرك متسائلا يلتفت الى السائق الذي أرضى استفسار ه
- : حنا وصلنا يا سي علي سير شوف واش كاين صاحبك.
اندلف الاخير خارجا من الطاكسي يوصد بابها وراءه، ثم ارتد عائدا بعد خطوتين وفتح بابها مرة اخرى
يمد يده ليأخد محفظة اسماله.
أردف السائق يطمئنه اليه ويستأمنه :
- غير سير شوف ما تخاف على حوايجك .
نظر اليه مليا كمن يعتذر عما سيصدر منه وقال :
- اسيدي لي سمعت منك ما خلاني نتبق فشي حد.
ابتسم الرجل ولم يعقب عليه، وان احس في نفسيته بان ما صدر عن الآخر قلة اعتبار له، لكن عذره
حداثة عهده بالمدينة وبكورة وفادته ..
لم يعاتبه على ذلك بعد ان استكنه سريرته وعرف معدنه، فعفوية طبعه وشخصيته الطيبة يحسسك بالارتياح وخاصة بداهته الصادقة التي خبرها عنه طول مدة المسافة الى المكان . حتى انه لما أخذ اردانه لم يطلب منه اجرته وانما تركه بل ظل صامتا لم يبدي رأيا ،ليزداد حرج الفتى الذي تردد قليلا واوشك ان يدع المحفظة، لكنه استجرأ بتلقائية كمن ينأى بالطيبوبة الغبية بعيدا عنه ليقول:
- نشوف غا نرجع نخلصك .
نحنح السائق رأسه مبتسما وعيناه تتابعان الفتى الذي توارى عن نظره ليلج الى احد الازقة
المقابلة للشارع باحدى جوانبه ، اذ لا شك بأن ما أخبر به عن المدينة اثار هلعه.


وبعد مسيرة امتار قليلة اهتدى الى العنوان الذي لمحه فوق احد المحلات التجارية وتجاسر والجا اليها ،
- السلام عليكم .
رفع صاحب المحل راسه المندني بسرعة المزأود والمتفاجىء باللكنة الصوتية التي لم يعهدها عند اهل المدينة . رأى امامه صاحبه وا بتسم
- : مرحبا بصاحبي عمرك طويل البارح كنا في سيرتك.
تصافحا وتعانقا بحرارة ثم وضع الضيف حاجته ارضا فقال :
- مول الطاكسي كا يتسنى غا نمشي نخلص ليه.
هرول الى السائق الذي ينتظر
- سمح لي يا سيدي تعطلت عليك هاك رزقك.
قدم له قطعة نقدية بقيمة العشرة دراهم ،اعرض عن اخذها في لحظته بعد ان رأى قيمة ما تحمله الكف الممدودة اليه وقال رافضا
- : لا يا سي علي هنا ماشي بحال البلاد راه المدينة هدي .
تجهمت اسارير الفتى بعض الشئ دلالة على استغرابه :
- اخويا حنا غير بعشرة دراهمباش كا نركبوا عندنا مدة نصف الساعة واكثر، انت غير ربع ساعة هدي.
اوشك السائق ان يشرح له الفرق لكنه استغنى عن ذلك عندما تدخل حماد
- : مالك تعطلتي يا سي علي خلصتي للسيد.
- قول ليه الله يخليك شحال كنتخلصوا من المحطة الى هنا.
دس حماد يده في جيبه وأخرج ورقة من فئة العشرين درهما ليضيف.
- هاك اسيدي رزقك، واعذره راه ما يعرف، هدي اول مرة جا للمدينة
عندما أخذ اجرته ابدى تفهمه لجهل علي، واستكان لاعتذار حماد ثم ارتأى بابتسامته أن يلطف الجو لما رأى تقطيبة في محيا علي،
- فاهمك، سي علي باقي ما عارف والو، انا عادروا وعليها انا غانصبر ونسمح في عشرة دراهم بلا ما يتقلق .










شكر له حماد زهده وانبرى في وصف علي بالبليد وسذاجته ( اوالبوجادي( كما يطلق على من يستجد وجوده بالمدينة،ثم ودعهما وتحركت بسيارته لتخلف دويها في الاسماع كأنها تعكس عدم رضا السائق عن تاخره .
- دخل يا صاحبي،
نده حماد لصديقه لما لاحظ تردد ه قبل ان يدلف بتؤدة ليجلس على كرسي أعد بين اللوازم الغذائية المرفوفة في الجدار والأخرى المرتبة فوق أرضية المحل .
سأله معاتبا اياه على عدم طلبه لشئ يسد به رمقه جراء جوع ربما ألم به وهو في عهدة السفر .
بدوره لم يتردد الأخير في طلب مشروب يروي به العطش الذي اعتراه من التعب مع القنوط الذي تسلل الى خوالجه وقوض امله وانقلب الى توجم بعد ان كان مليئا بالنشاط ، وارتياب من سفره الى المدينة ،اذ رسم لها في مخيلته اليافعة صورة الجنة التي يسعى اليها كل مرزوء في عيشه ، ومن نابت عليه دواهي الزمان، والزمته البحث عن المستقبل بعيدا عن بلدته لينشد مستقبله وضمانا للقمة عيش مريحة تكفل له كرامته وشخصيته، عساه يستريح من الكد والتعب الدي كابده في خماسة لم تعد تدر عليه ما يوازي كدحه، وبالأخص تلك الايام التي عم فيها القحل كل النواحي والمناطق المجاورة لقريته.
قال حماد وهو يمد له معلب عصير ،
- : سبحان الله عمرك طويل البارح سولني عليك السيد لي غادي تخدم عنده .
رفع عينيه وعلامة الفرح يبش بها محياه
- هي الخدمة كا تسناني وانا في طريقي كابد الفقسة والخلعة شادني من المحطة حتى لهنا. اراها في نهي.
- لايا صاحبي بلا ما نسبفوا الاحداث علاه انا ضامن راسي غا نعيش حتى للغد ،حتى نشوفوا مولاها..
وفي انغداق الليل واستحان وقت الاندلاق الى الراحة ذهبا الى البيت ، اذ أحال حماد محله للاغلاق.











بعد تناول طعام العشاء ، ركن كل منهما الى النوم ، وفي انتظار وقت الاستفاق ظل علي شاردا ينظر في الظلام الدامس الذي يغطي الغرفة ، تائها في شروده ، يتخيل العمل الذي ينتظره، كيف هو؟ يتأمله في بحبوجة لبه . كم سيبلغ اجره ؟ كيفما كان فهو الآن سيعمل وعليه ان لا يشترط، بعد ان كان يتوسل ايجاد ولو فرصه تضمن له شغلا يريحه من شؤم العطالة ، لا حق له في ان يبدي أي اعتراض ولو كانت اجرته زهيدة، عليه ان يتعلم اولا ، لانه لا يعرف سوى الخماسة التي يمقتها ايما مقت . جافى النوم مقلتيه وهو يتقلب في فراشه تارة يمينا وأخرى للشمال،اما صاحبه حماد فيغط في نوم عميق، يستمع لتشاخيره المحتشمة ، نائم قرير النفس والخاطر ، حر نفسه لا يعمل عند احد ولا سلطة الا سلطته على نفسه، بينما هو سينتظر حتى انبلاج الصباح، ليعمل كأجير يستجدي رزقه عند غيره .
حماد صديق علي يكبره بسنتين لكنه على عكسه لا يحب الدوار مثله منبهر بالعصرنة .والحداثة
يدعي التحضر بدون ان يستوعب معناه، منساق وراء المظاهر يعيب على الدوار انه خارج الحضارة ويعتبر اهله بدائيين.
كان منهمكا يتصفح الأوراق في المكتب ، لما سمع دقدقة على الباب. ودون ان يرفع رأسه قال: - لي في الباب يدخل.
اندلق الاثنان الى الداخل .
: السلام عليكم .
رفع رأسه وابتسم حال رأيته لحماد وصاحبه
- : مرحبا بسي حماد وفيتي بكلمتك.
- : علاه حنا دراري يا سي عبد الرحيم .
- اجلسوا اش بغيتوا تشربوا.
- : لي كاين ما غادي نجلسوا بزاف.
-لاواه بقوا شويا محالكم هذا .
ها الولد لي وصيتيني عليه انا أضمنه لك راه معقول وثقة لي حطيتيه فيها يهنيك منها
- : هدا لي كا نتمناه غير يشمر ويتحزم ما يخصوا حتى خير.
نظر الى علي وسأ له عن اسمه ومستواه الدراسي ،خرج من المستوى الاعدادي مضطرا ليأخد مكان ابيه في الخماسة استحسن الرجل ذلك مبديا اسفه لبكرة تخليه عن الدراسة، مذكرا بامكانية أن يصبح شخصا آخرأهم في حال لم يعتزل التعليم . بيد أنه عبرعن رأيه في التعليم مستهجنا الحالة التي بها ينصف ممتهنيه وبشكل عام في الوطن، واهمال لأصحاب الشهادات الذين ينتظرون الوظائف جزاء تفانيهم في الدراسة،وطول انتظارهم.ثم أضاف
- المعقول هو المهم يا سي علي غادي تكون موظف ديال راسك،ملي عرفت تكتب وتقرا واقيلا حتىالفرنسية، لو عرفتيها غا تنفعك.
علي : غير شويا كا نعرف نقاد حروفها ونقراهم .قول قراية الحسيفة.


عكس قول الفتى مرارة الاحباط الذي يخامره والاحساس بدونية شأنه في الحياة ، لم يتمكن من استكمال تعليمه وان سخر منه، والنصيب الذي يناله الطالب ويكافأ به بعد ان يستوفي شروط الترقي المعرفي، معتبرا من أصحاب الشهادات على نتوع درجاتها المتفوقة ، وعلى رأيه فلا بأس ان اكتسب المرء نوعا من المعرفة لينمي بها وعيه الادراكي.
بالنسبة له لا يكفي ما تعلمه، ولا شك انه يتحسر أسفا لحاله السيء لأنه لا يستحق ذلك . تذكر وعد الحاج ابراهيم الذي كان سيتكفل بمصاريف دراسته ، بعد فوات الاوان أدرك خطأه عندما رفض عرض الرجل ، وخاصة بعد أن رأى المدينة التي استهون صعوبة العيش فيها . كان من الأفضل له لو تكرم وتنازل عن اعتزازه بنفسه وقبل كرم الرجل ،وتجنب هذه الظروف التي هو عليها.
لمااتفقوا على أجرة العمل ودعاه، بعدان طلب من علي بان يبكر في الصباح ليبدأ في عمله الجديد ،
لم يسعه الفرح الغامر لنفسيته، و في الطريق، أطرق يثني على حماد، يشكر له صنيعه ، يأكد أنه سيحفظ جميله حتى تسنح له فرصة لرده.
في الصباح وجد رب عمله ينتظر ، وبعد السلام ورده، دله الرجل على طريقة عمله ، سيتكلف بمراقبة العمال بمستودع مواد البناء الذي يبعد بحوالي كلمترين عن هناك، بعد ان يتم شحن ناقلة او اثتتبن وربما أكثر حسب الطلب، ثم يقفل المستودع ليأتي له بالفاتورة قصد امضائها، استدرك أيضا باخباره عن سلفه الذي كان في نفس المهمة ، وعن سبب استغناءه عنه، ذلك انه ضبط تلاعباته وسرقته لبعض اكياس السيما مند مدة طويلة، ولما اكتشف الامر عن طريق الصدفة بفضل نفاد مخزون المواد بشكل لم يتوقعه ،أخذ يتقصى حتى عرف المسؤول عن ذلك، وكذا اعتراف بعض العمال ضده ، وقد تم طرد بعض من تورط معه بشكل مباشر. وحذره من الذين لم يصرفهم وأخذ الاحتياط اتقاء لشر مكائدهم . كما وعده بتحسن اجرته التي هي الف درهم حاليا، بعد ثلاثة شهور سيكافأه بزيادتها الى أكثر، عندما يختبر مدى همته وتفانيه في العمل.
اطمئن علي وازيح عنه حمل الفضول الذي يشوب تفكيره لمعرفة كنه عمله لا شك ان الرجل ذو أصل شريف يعرف قدر العامل وكد حه ، وعليه فتلك بادرة خيربالنسبة له ، ومنذ ذلك اليوم واصل ا عمله باعتيادية ألفها بسرعة أثارت اعجاب مستخدمه ، ومرت أيام وأسابيع، وعلى ما يبدو فقد غفل عن ارسال خبر عن كيفية أحواله لأمه ، ربما ستنشغل عليه وخاصة انه اوشك ان يمضي شهران عن رحيله من البلدة،لا شك انها ستنشد لخبره أثرا.
ياتي سي عبد الرحيم في واسطة عقد ابيه السوسي الاصل والذي توفي وترك ثلاثة ذكور مع ثروة تغنيهم عن الكفاف، أتى الرجل الى الدار البيضاء في الستينات من القرن الماضي وكون ثروة لا يستهان بها ، قسمها الورثة فيما بينهم بالتراضي، كان من نصيب عبد الرحيم تلك الشقة في العمارة التي يوجد بها مكتبه وكذلك مستودع مواد البناء والشركة التي يدخل في نطاقها، يتميزعن اخوته بحبه لبلدته التي ازداد بها، يزورها كلما سنحت له الظروف ،بالاضافة الى البيت العصري الذي شيده هناك ، عكس اخوته الذين لا يفكرون حتى في ذكرها ، اللهم بعض المناسبات كفرح احد من الاصدقاء دعاهم في فصل الصيف .
 
رد: أرض الدوار ، الجزء الاول

السلام عليكم


اخي حسان داني ..
دوما تتحفنا بروائع منك ..

الله يعطيك العافية ..
ولي عودة للمتابعه ..

وشكرا جزيلا لك ..



تحياتي،
 
رد: أرض الدوار ، الجزء الاول

السلام عليكم


مشاركه شيقه اخي
وهذا ما عودتنا عليه منك ..

تشكر وجزاك الله خير


تحيااااتي
 
رد: أرض الدوار ، الجزء الاول

يعطيك العافيه اخي حسان داني

ولي عوده لمتابعه البقيه


مع تحيـــــــ افراح المهدي ـــــاااااااااتي
 
رد: أرض الدوار ، الجزء الاول

يعطيك العافيه اخي حسان داودي
و تسلم يداك على الشعر الرائع و لا تحرمنا من جديدك و نحن ننتظر
موفق بأذن الله تعالى
تحياتي اختك ما اتخلى عن ديني
 
رد: أرض الدوار ، الجزء الاول

السلام عليكم


اخي حسان داني ..
دوما تتحفنا بروائع منك ..

الله يعطيك العافية ..
ولي عودة للمتابعه ..

وشكرا جزيلا لك ..



تحياتي،

سعيد بمرورك اختي اشراقة ولقد مضت ايام دون مداومة الزيارة المعتادة ودلك لظروف تستجد بين الحين والآخر

تحياتي اليك
 
رد: أرض الدوار ، الجزء الاول

السلام عليكم


مشاركه شيقه اخي
وهذا ما عودتنا عليه منك ..

تشكر وجزاك الله خير


تحيااااتي

شكر لمرورك الشيق ارتار

تحياتي اليك
 
رد: أرض الدوار ، الجزء الاول

يعطيك العافيه اخي حسان داني

ولي عوده لمتابعه البقيه


مع تحيـــــــ افراح المهدي ـــــاااااااااتي


سعيد بل باكلالتك الرائعة افراح

لك تحياتي
 
رد: أرض الدوار ، الجزء الاول

يعطيك العافيه اخي حسان داودي
و تسلم يداك على الشعر الرائع و لا تحرمنا من جديدك و نحن ننتظر
موفق بأذن الله تعالى
تحياتي اختك ما اتخلى عن ديني


مسرور بلفتتك اخي اتمنى لك التوفيق
 
عودة
أعلى